|
|
كنيسة النَّبيِّ يوحنَّا المعمدان في أنفه
|
|
|
لمحة تاريخيّة
|
|
|
دير النبي يوحنّا المعمدان – أنفه
|
بُني دير مار يوحنا المعمدان على تلّة خضراء شرقي بلدة أنفه في كنف مقلع قديم للحجارة الرمليّة بهمّة من رهبنة دير سيدة الناطور (الدير الأم) وأهالي البلدة. لم يكن ديرًا كاملاً إذ انّ الجدير ذكره أنّه كان منسكًا وديرًا صغيرًا للخدمة والرعي والزراعة وجمع الأغلال وعصر العنب والزيتون... فالتلّة المحيطة بالدير، وبحسب الباحثين، كانت مليئة بأجود أنواع العنب والزيتون. وكان لخمر أنفه صيت ذائع بين شعوب الحضارات الغابرة. أمّا الدير فقد تعرّض عبر العصور إلى تغييرات عدّة، فتهدّمت أقسام منه، ثم رمّمت في أوقات متفاوتة. وتوالت الحقبات العسكريّة على البلاد في تلك حتّى أصبح في مطلع القرن العشرين أشبه بخربة استعملها كزريبة لقطعانهم. فلعل ما يميّز هذا الدير هو تعاقب الحضارات على بنيانه. فأقدم أبنيته إذا صحّ التعبير هي تلك المحفورة في الصخر... فهي تعود إلى القرون الأولى قبل الميلاد وهي عبارة عن المدفن والمغارة وقبّة الناقوس.
فالمغارة في وسط الدير حُفرت في الصخر باليد. فيها رفوف وطاقات ومداخل وأخاديد ومجاري وتفاصيل أخرى. أمّا سطحها فكتلة كبيرة من الصخر تتوسّطها طاقة. أطلق الأقدمون اسم "قبّة الناقوس" على هذا السقف إذ يذكر التقليد الشعبي وجود ناقوس يتدلّى منها من زمن ليس ببعيد حين لم يكن مسموحًا استعمال الأجراس إبّان الحكم التركي في لبنان.
أمّا المدفن، فقد حفر في الصخر تحت هيكل الكنيسة جنوب المغارة وقبّة الناقوس. وهو يعود إلى الحقبة ذاتها، إلا أنّه طوّر مع دخول الديانة المسيحيّة إلى لبنان. يمكن النزول إلى المدفن من داخل الهيكل بثلاث درجات تؤدّي إلى باحة صغيرة حولها ثلاث نواويس صخريّة تعلو كل منها قنطرة وفي طرفها مسند مرتفع قليلاً لجهة موضع الرأس، حيث يوضع الراقد بدون غطاء أو تراب ببساطة الطريقة الرهبانيّة.
إضافة إلى ذلك، وبالقرب من غرفة الصخر، يوجد صهريج داخلي للماء محفور في الصخر أيضًا على شكل قمع أسطواني من نمط العصر البيزنطيّ يعلوه عقد حجري قديم منخفض هو على الأرجح أقدم أجزاء الدير المبنيّة المتبقّية. وفي العهد البيزنطيّ أيضًا، حفرت في الصخر المجاور للدير بئر ماء وجدت فيها رخاميات تعود إلى حقبة تاريخيّة سالفة.
تتكئ الكنيسة الصغيرة على كتلة صخريّة فوق المدفن الصخري. سقفها عبارة عن عقد مقصوب ينتهي بحنية عند الهيكل. واضحٌ أنّها بُنيت على أساس قديم، ففيها لجهة الشمال حجارة متّصلة بالدير تبدو قديمة بالنسبة إلى البناء الحالي للكنيسة الذي يعود لمئتي سنة تقريبًا. أمّا أيقونات الإيقونسطاس الخشبيّ الثلاث: السيّد والسيّدة ومار يوحنّا المعمدان فهي مرمّمة في أورشليم بتاريخ ٢٥ تموز ١٨٥٥ وأعاد الأب إسبيريدون فيّاض ترميمها في دار المطرانيّة في طرابلس بتاريخ ١٥ آذار ٢٠٠٦ ، وهي تنتمي إلى الفن الأنطاكي المحلّي. في الواجهة الغربيّة للكنيسة باب المدخل المنخفض تعلوه الطاقات الثلاث التقليديّة، أمّا في قبّة الهيكل فهناك طاقة بشكل صليب، وفوقه طاقة شرقية أخرى. في الواجهة الجنوبيّة للكنيسة شباك استحدث مؤخّرًا أي العام ١٩٣١ كما ورد في كتاب صلوات موجود في مكتبة الرعيّة. وجاء في الكتاب أنّ الخوري إبراهيم الدمعة أحضر المعلّم جبر جرجورة جريج وكلّفه فتح الشباك. وكما يبدو، وبحسب بعض الصور، أنّ الطاقة الخارجيّة إلى يسار المدخل قد استحدثت في الفترة ذاتها التي استحدث فيها الشباك المذكور. تتصل الكنيسة بالدير عبر باب ضيّق في الجدار الشماليّ يؤدّي إلى المغارة كان مسدودًا حتّى بدأ أعمال المرحلة الأولى من ترميم الدير في العام ١٩٨١ من قبل حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة وأهالي البلدة وبإشراف المهندس جرجي ساسين.
إذًا تتفرّع من المغارة سائر الغرف والقاعات. تلك القاعات والغرف التي تعود إلى القرون الوسطى يوم قام الصليبيّون ببناء المعصرة والقبو المجاور للكنيسة. فقاعة الاستقبال أو الصالون هي عقد مقصوب رمّمت واجهته الشماليّة كليًّا. يليه عقد صغير سقفه كان مهدّمًا وجدرانه متداعية أعيد بناءه مع بعض التعديل بما يناسب حاجة الاستعمال. ويتصل ببقايا عقد ثالث لم يبق منه سوى جزء صغير أعيد بناء واجهته لتعذّر إعادة بنائه كاملاً ويستعمل حاليًّا كمطبخ للدير. يلي العقود الثلاث لجهة الشمال القاعة الكبرى. هي عقدين متلاصقين: الأوّل مصلّب كان له امتداد غربي تهدّم قديمًا وبنيت له واجهة فيها مدخل وذلك في القرن التاسع عشر. والعقد الآخر مقصوب كان معصرة للدير وما زالت حجارة المعصرة في زاويته مع مكبس محفور في واجهته الشماليّة وثماني طاقات في واجهته الشرقيّة. كانت تستعمل هذه الطاقات في فترة سابقة، أي أيام هجران الدير وسكنه من قبل الرعاة، كانت تستعمل كمعالف للحيوانات. وفوق سطح القاعة الكبرى غرفتين معقودتين بنيتا في القرن التاسع عشر استعملهما الرهبان ولاحقًا الفلاحون للسكن. وبدأت المرحلة الثانية من الترميمات العام ٢٠٠٦ ، كما ذكرنا آنفًا، إذ نُظّفت ورُتّبت حجارة الكنيسة كما رُمّمت أيقوناتها. وحاليًا تجري أعمال الترميم في أنحاء عدّة من الدير.
يستقطب دير مار يوحنّا المعمدان اليوم العديد من الزوار آتين من مختلف أنحاء لبنان والعالم وبخاصّة في عيد مولد النبي السابق يوحنا المعمدان في ٧ تموز (شرقيّ)، حيث تُقام الصلوات والاحتفالات والمعارض للمناسبة.
رعيّة أنفة، ٢٠٠٨
|
|
|
الصفحة السابقة |
|
|
|
|
|
|
© جامعة البلمند ، تحديث في ١٢ ÂÐÇÑ ٢٠١٢
|
عدد الصفحات المقروءة 4394247 |
|